فصل: كتاب إحياء الموات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.كتاب الجعالة:

.حقيقتها:

إعطاء أجر في مقابلة عمل بشرط التمام.

.حكمها:

الجواز، ولا تلزم بالعقد، بل لكل واحد منهما الترك، فإن شرع في العمل لزمت الجاعل وكان للمجعول له الترك.

.حكمة مشروعيتها:

الرفق ودفع الحاجة.

.أركانها:

ثلاثة: العاقد، والمعقود به، والمعقود عليه.

.الأول: العاقد:

ويتناول الجاعل والمجعول له، ويشترط في الجاعل أهلية الاستئجار، ولا يشترط في المجعول له أن يكون معينًا، بل لو قال: من جاءني بعبدي الآبق فله كذا، فأتاه به رجل استحق الجعل، وإن لم يعلم بالجعل، ولا تكلف طلبًا، ولو جاءه به قبل أن يجعل ربه فيه جعلاً، ومن شأنه التكسب مثل ذلك، فله جعل المثل، وإن شاء ربه تركه له ولا يعطيه شيئًا، وإن لم يكن ذلك من شأنه فليس له إلا ما أنفق عليه.

.الثاني: المعقود به:

كل ما جاز تملكه وجا بيعه، فلو قال: من جاءني بعبدي الآبق فله نصفه، لم يجز وكان له جعل المثل إن أتى به، ولو قال: بع هذه الثياب ولك درهم من كل ثوب، جاز، وإن قال: من كل دينار درهم لم يجز، ولا يجوز: بعه بعشرة ولك ما زاد.

.الثالث: المعقود عليه:

ويشترط فيه خمسة شروط:
الأول: أن يكون مما لا يلزم المجعول له عمله وما يجوز له عمله إن كان مما يلزمه عمله لم يجز له أخذ الجعل عليه مثل أن تجد آبقًا من عمل؛ لأن رده واجب عليه، ولو كان مما لا يجوز له فعله لم يجز له أخذ الجعل عليه كالجعل على الحرام.
الثاني: أن يكون مما ينتفع به الجاعل.
قال عبد الملك فيمن جعل لرجل جعلاً على أن يرقيه موضعًا في الجبل سماه له: إنه غير جائز، ولا يجوز الجعل إلا على ما ينتفع به الجاعل، وقيل: يجوز.
الثالث: أن يكون مما لا ينتفع به الجاعل إلا بتمامه، فلا يجوز الجعل على حفر بئر في أرض مملوكة للجاعل؛ لأن المجعول له أن يترك الحفر قبل التمام انتفع به الجاعل بخلاف ما يكون في أرض غير مملوكة.
الرابع: أن يكون غير مقدر بزمن، فلو قال: بع هذا الثوب اليوم ولك درهم لم يجز، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء؛ لأنه إن ذهب اليوم ولم يبعه ذهب عناؤه باطلاً، وإن باعه في نصفه فله الجعل كاملاً، وتسقط عنه بقية اليوم، وذلك خطر، والجعل لا يكون مؤجلاً إلا أن يكون له رده متى شاء.
الخامس: أن يكون في اليسير، قال القاضي أبو محمد: لا يجوز أن يكون في الكثير لما فيه من الغرر، فذهاب العمل الكثير باطل.
وقال ابن رشد: ما ذكره عبد الوهاب غير صحيح، والصحيح أنه جائز في كل ما ليس فيه منفعة للجاعل إلا بتمامه قليلاً كان أو كثيرًا.
قال: وإنما قال ذلك مالك في المبيع؛ لأن ينتفع بحفظ الكثير من الثياب مدة بقائها عنده، ولو لم يدفعها إليه لجاز إذا جعل له في كل ثوب درهمًا.

.اللواحق:

وينحصر الكلام فيها في أربعة فصول:

.الأول: استحقاق الجعل:

ويجب للعامل الجعل بتمام العمل؛ لأن له أن يدعي العمل متى شاء، إلا أن ينتفع الجاعل بما جعله العامل، مثل أن يجاعله على حمل خشبة إلى موضع فيحملها نصف الطريق ويتركها، فيجاعل عليها ربها من يبلغها الموضع، قال مالك: للأول قدر ما انتفع به الجاعل، وكذلك البئر يحفر نصفها ويترك، قال مالك وابن كنانة: يرجع بقيمة عمله يوم أتمها الثاني كانت القيمة الآن مثل المسمى أو أقل أو أكثر.

.الثاني: الزيادة في الجعل والنقصان منه:

وذلك جائز قبل تمام العمل إذا لم يجب له شيء بعد العقد.

.الثالث: في الجعالة الفاسدة:

وحكمها حكم نفسها، فيكون له جعل مثل سواء أتم العمل أو لم يتم، وقيل: ترد إلى حكم نفسها في بعض الصور، وإلى حكم أصلها وهي إجارة في البعض.
قال ابن رشد: وهو الصحيح، فقال ابن المواز: كل جعل فاسد ففيه إجارة المثل.
وقال ابن حبيب: إذا جعل له جعلاً في بيع متاع إن باع الجميع فله جعله، وإن لم يبع الجميع فلا جعل له، أو قال له ذلك الجعل سواء بعت أو لم تبع لم يجز، ورد إلى أجرة المثل باع أو لم يبع.
وقال ابن القاسم: إذا لم يسم الجعل، وقال: ما بعت به فلك من كل درهم سدسه لم يجز، فإن باع فله جعل المثل.

.الرابع: في التنازع:

وإذا تنازعا في قدر الجعل تحالفا وتفاسخا ورد إلى جعل المثل، ولو أنكر الجاعل سعى العامل في الرد، فالقول قوله.

.كتاب إحياء الموات:

حقيقة الإحياء: العمارة. الموات: ما لم يعمر من الأفنية.

.حكمها:

الجواز وهو سبب في الملك.

.حكمة مشروعيته:

الرفق والحث على العمارة.

.أركانها:

ثلاثة: المحيِي، والمحيَا، والكيفية.

.الأول: المحيي:

ولا خلاف أن ذلك للمسلم، وفي افتقاره إلى الإمام ثلاثة مشهورها التفرقة بين القرب والبعد، وعلى المشهور فإن فعل بغير إذنه نظر فيه الإمام، فإن رأى إمضاءه له وإلا جعله للمسلمين أو أقطعه لمن شاء، ويكون للأول قيمة ما فيه مقلوعًا أو يأمره بقلعه، واختلف في الذمي، فقال ابن القاسم: مال أحياه أهل الذمة من موات المسلمين فهو لهم، إلا أن يكون في جزيرة العرب، وهي مكة والمدينة واليمن.
قال مطرف وابن الماجشون: فإن فعل أعطى قيمة عمارته وأخرج، وإن عمر في غير ذلك في بعد من العمران جاز ذلك، وأما ما قرب فيعطى قيمة عمارته منقوضًا ويخرج وليس للإمام أن يعطيه إياه.
تنبيه:
القرب والبعد يرجع إلى حال البلد، فما تألفه مواشيهم في غدوها ورواحها فهو قريب.

.الثاني: المحيَا:

هو الموات المنفكة على الاختصاص والامتياز.
وأسباب الاختصاص خمسة:
الأول: العمارة: ولا يملك بالإحياء ما كانت فيه العمارة وإن اندرست، إلا أن تكون عمارة إحياء ثم اندرست حتى عادت كما كانت قبل الإحياء فتملك بالإحياء عند ابن القاسم دون سحنون.
وقال مطرف وابن الماجشون: إن تركها الأول إسلامًا لها في للآخر، ثم إن عمرها الآخر بحدثان عمارة الأول جاهلاً فله قيمة بنيانه قائمًا وإن كان عالمًا فمنقوضًا.
الثاني: حريم عمارة: وهو يختص بصاحب العمارة، فحريم البئر الذي يمنع غير حافرها من الإحداث فيه ما يضر بها باطنًا أو ظاهرًا، فالباطن حفر بئر ينشف ماؤخا، وحفر مطمر لمطرح النجاسات حتى يصل وسخها إليها، والظاهر الغرس والبناء والحرس والنزول الذي يضر بالمنتفعين بها، ويضيق عليهم في نزولهم وصدرهم ومعاطن إبلهم ومرابض مواشيهم، وكذلك إن حفرها ليزرع عليها مواتًا فحريمها قدر ما يحتاج إليه حافرها مما يقوم لسقي مائها ويقدر على زرعه وليس للآبار والعيون حد عند مالك إلا ما يضر بها، وحريم الشجر ما يرى أن فيه مصلحتها، وما لا يضر بأهلها، ويسأل عن ذلك أهل المعرفة.
قال اللخمي: إن قالوا: عشرة أذرع، لم يكن لهذا أن يغرس عند آخر العشرة؛ لأن الشجرة الثانية تحتاج إلى ما تحتاج إليه الأولى، فإن جعل بينهما دون ذلك أضر بالأولى، وإن جعل بينهما عشرة فانتشرت عروق الأولى وفروعها أكثر قطع ما وصل إلى حد الأولى في ظاهر الأرض وباطنها، وإذا أحيا الأول للسكنى وأراد الآخر مثل ذلك فمنعه الأول، وقال: تكشفني إن كنت قريبًا، فله ذلك، وقد قضى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن يجعل بينهما نحوًا من مائة ذراع، وحريم الدار المحفوفة بالموات مرافقها التي تجري بها العادة لمطرح التراب ومصب الماء وموضع الاستطراق منها وإليها، وإن كانت محفوفة بالأملاك فما كان بينهما وبين تلك الأملاك لا يختص به أحد دون آخر.
الثالث: التحجير: ونعني بذلك أن يضرب حدًا حول ما يريد إحياءه على خلاف، وقد قال ابن القاسم: لا يعرف مالك التحجير إحياء ولا ما قيل: إن من حجر أرضًا يترك ثلاث سنين، فإن أحيا وإلا فهي لمن أحياها.
الرابع: الإقطاع: وإذا قطع الإمام رجلاً أرضًا فهي ملك له وإن لم يعمرها ولا عمل فيها شيئًا، وله أن يبيع ويهب، وليس للإمام أن يقطع غير الموات تمليكًا، بل إمتاعًا.
الخامس: الحمى: وقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم البقيع لخيل المهاجرين، وهو قدر ميل في ثمانية أميال، وزاد الولاة فيه بعد ذلك.
قال سحنون: الحمى إنما يكون في بلاد الأعراف في الفيافي التي لا عمارة فيها بغرس ولا نبات، وإنما يكون في الأطراف حيث لا تضيق على ساطن.
قال: وفي ذلك يكون الإقطاع أيضًا، والمشترك كالشوارع والطرق والجدر وممر المياه والمساجد، فأما الشوارع فإن كانت نافذة فالاستطراق فيها مستحق للكافة وينتفع بها أيضًا للجالس والمرابط والمصاطب وجلوس الباعة للبياعات الخفيفة في الأفنية لأنها تجاز بالبناء والتخضير، ومن سبق إلى مكان يباح له الجلوس فيه فهو أحق به، وإن كانت غير نافذة فهي مملوكة لأرباب الدور التي هي فيها، فلا يجوز إشراع جناح إليها ولا فتح باب جديد منها إلا برضاء الجميع، وأما الجدر فليس لأحد الشريكين فيها تصرف إلا بإذن شريكه، فإن تنازعا فيه فصاحب اليد من كان إليه وجه الجدار والطاقات ومعاقد القمص والغرز، فإن استربا في ذلك فهو بينهما بعد أيمانهما، وأما ممر الماء فمذكور فيما بعد، وأما المساجد فينتفع بها للصلاة والجلوس، ومن سبق إلى مكان منها لم يزعج منه ويجلس فيها للذكر وللتلاوة وللاشتغال بالعلوم الشرعية، وخفف فيها النوم في القائلة للمقيم والمسافر ولا ينبغي أن يتخذ مسكنًا إلا لرجل متجرد للعبادة لقيام الليل.
قال ابن حبيب: وأرخص في الرجل فيه مجتازًا المرة بعد المرة، إلا أن يتخذ طريقًا.

.الركن الثالث: كيفية الإحياء:

وذلك بالبناء والغرس وتفجير المياه وتحريك الأرض بالحرث والحفر وقطع الشعراء، واختلف في ثلاثة: رعي الكلاء والتحجير وتعديل الأرض بكنس حجرها وتسوية خربها، فلم يرها ابن القاسم إحياء، ورآها أشهب إحياء.

.اللواحق:

ضربان:

.الأول: ما يحدثه الرجل في أرضه مما يضر بجاره:

وذلك ثلاثة عشر نوعًا:
النوع الأول: الدخان: وذلك ممنوع، وقد نص مالك على أن من أحدث في عرصته فرنًا أو حمامًا أو كيرًا للحديد أو فرنًل لسيل الذهب والفضة فأضر بجاره أنه يمنع، واستخف اتخاذ التنور. وفي الطرر عن ابن رشد أن ذلك يمنع اتفاقًا.
تنبيه:
إن أمكن قطع الدخان بحيث لا يضر بالجار قطع ويبقى الفرن بحاله وبها قضى سليمان بن أسود، فجعل أنبوبًا في أعلى الفرن يخرج منه الدخان وصعد ولم يضر.
النوع الثاني: ضرر التبن: وإحداث الأندر ممنوع اتفاقًا، قاله ابن رشد لما يتطاير من التبن في موضع الجار.
الثالث: ضرر الروائح: كأحداث الرباع.
قال ابن رشد: وذلك أيضًا ممنوع بالاتفاق.
الرابع: ضرر الكنيف والرحا: لأن ذلك يضر بالجدران.
الخامس: ضرر الاطلاع: وقال ابن رشد: يمنع من اتخاذ الكوة واتخاذ الباب لضرر الاطلاع، وقيل: لا يمنع، ويقال للجار: استر عن نفسك، قاله أشهب، وابن الماجشون، وابن مسلمة، والمخزومي، قال: وهو شاذ، والمنع قوله في المدونة، وإذا كانت الكوة قديمة أو الباب قديمًا فليس له سده.
السادس: ضرر الأصوات: كالحداد والكماد والنداب فيه قولان المشهور أنه لا يمنع.
السابع: إحداث بناء يمنع الضوء والشمس والريح: وذلك غير ممنوع ولو أحدث بناء يمنع الريح عن أندر جاره لم يمنع، قاله ابن القاسم، واختلف في قول سحنون.
الثامن: نقصان الغلة: مثل أن يحدث فرنًا قريبًا من فرن جاره ولا يمنع منه اتفاقًا، ولو أحدث رحا على نهر فوق رحا قديمة فأضرت بها في نقصان غلتها أو كثرة مؤنها أو في غير ذلك ضرر بين، فقال ابن القاسم: يمنع ولو لم يبين لأهل المعرفة في ذلك ضرر، قيل له: عمر، فإن أضررت منعناك.
التاسع: حفر البئر في الدار: قال مالك: له ذلك، إلا أن يضر بجاره ضررًا بينًا في استفراغ ماء بئره.
قال بعض الشيوخ: هذا خلاف ظاهر المدونة؛ لأنه أطلق فيها القول بالضرر ولم يقيد بصفة.
وقال ابن كنانة: له أن يحفر، فإن أضر ببئر جاره منع.
وقال أشهب: إن كان يجد منها بدًأ وليس هو بمضطر منع، وإن كان مضرًا فله أن يحفر، وإن أضر ببئر جاره.
وقال ابن القاسم: من حفر بئرًا بعيدة من دارك فانقطع ماء بترك من حفره وعلم ذلك فلك ردمها عليه.
العاشر: إحداث الميزاب لماء المطر: ممنوع سواء أضر بجاره أو لم يضر، إلا أن أذن له جاره، فإن لم يأذن وأراد أن يضم جداره إلى داخل ويجعل الميزاب ينصب في موضع الجدار، فقال مطرف: ليس له أن يحدث على جاره شيئًا لم يكن.
وقال عيسى: له ذلك.
الحادي عشر: إحداث باب قبالة باب الجار: منعه في المدونة في الزنقة غير النافذة، وأجازه في النافذة.
وقال سحنون: يمنع أيضًا، ولكن ينكب عن باب جاره قليلاً بحيث يرى أن يزال به الضرر.
الثاني عشر: ضرر الشجر: وإذا كانت شجرة إلى جدار رجل أضرت به فقال مطرف: إن كانت أقدم من الجدار وكانت على ما هي عليه اليوم من الانبساط فلا تقطع، وإن حدث فيها أغصان تضر بالجدار فليشمر منها ما يضر مما حدث.
وقال ابن الماجون: لا تقطع، وإن أضرت به؛ لأنه قد علم أن ذلك من شأن الشجر، وإن كانت محدثة بعد الجدار قطع منها ما أضر به، وإن كثر وما انتشر من الشجر إلى أرض الجار قطع، ولو امتدت عروقها تحت الأرض فظهرت بأرض الجار وأثمرت خير رب الأرض بين أن يقلعها أو يعطي قيمتها مقلوعة.
قال ابن القاسم: إلا أن تكون لربها منفعة إذا قلعها وغرسها نبتت فله قلعها، وإن كان لا منفعة له فيها ولا عليه مضرة فهي لرب الأرض.
الثالث عشر: ضرر الحيوان: كالدجاج والحمام والنحل والمواشي.
قال أصبغ: النحل والحمام والدجاج والأوز كالماشية لا يمنع من اتخاذها، وإن اضرت، وعلى أهل القرية حفظ زرعهم، وقاله ابن القاسم، وقيل: يمنع من اتخاذ ما يضر بالناس في زروعهم وشجرهم وما أفسدته الماشية نهارًا فجار، وما أفسدته ليلاً فضمانه على أربابها، ويقوم الزرع الأخضر على الرجاء والخوف.
قال مالك: ولا يستنأبه أن ينبت كما يفعل بسن الصبي الصغير، ولو أراد صاحب الماشية أن يسلم ماشيته فيما أفسدت لم يكن له ذلك بخلاف جناية العبيد، وإن أفسدت الزرع بعد أن يستحصد ويستغنى عن الماء غرم مكيلته بالخرص إذا أفسدت الجميع، وكذلك التبن ولو أفسدت أشجارًا غرم قيمتها على الرجاء بإحيائها والخوف بهلاكها.

.الضرب الثاني: في حكم ما ينشأ عن الأعيان المملوكة:

وهي المعادن والمياه وتوابع المياه من الكلأ والسمك، فأما المعادن فقد سبق الكلام ليها في الزكاة. وأما المياه فإن كان منها خاص كماء بئر في ملكه وما حازه في الجدار فحكمه حكم سائر المتملكات يصح بيعه ومنعه، وما كان غير خاص وكان مسيله في أرض مباحة كالذي يسيل من شعاب الجبال فحكمه أن يسقى منه الأعلى فالأعلى، وإن كان مسيله في أرض مملوكة فلمن صار بأرضه أن يحبسه ويمنعه قل أو كثر، وما كان مترددًا بين الخصوص والعموم كماء البئر المحفورة في الفيافي والبوادي للمواشي، فلا تباع ولا تورث، لكن حافرها أحق بكفايته، ثم ورثته، وما فضل فليس له منعه، والمسافرون أحق من المقيمين، وعليهم إعارة الرشاء والدلاء والحوض. والكلأ إذا كان بأرض غير مملوكة لم يمنع، وما كان بأرض مملوكة لمعين فقال أشهب: لا يجوز بيعه أصلاً، وهو كالماء الذي يجريه الله سبحانه وتعالى على وجه الأرض، وإنما له أن ينتفع به ويحميه لرعيه خاصة، وله أن يجزه ويبيعه، وأما قائمًا فلا.
وقال مالك وابن القاسم في العتبية: له بيعه، وإنما الذي لا يكون له بيعه ما سوى المروج والحمى من خصب فدادينه ويجبر على إباحته للناس إن استغنى عنه، إلا أن يكون في وصول المواشي إليه ضرر عليه مثل فدان فيه خصب وحوله زرع له، فيتضرر بمر المواشي في زرعه، فيكون له المنع، وإن لم يحتج إليه، وأما السمك فما كان منه في أرض غير مملوكة له لم يمنع منه من أراده وما كان مملوكًا لغير معين ففيه خلاف.
قال ابن القاسم: سألت مالكًا عن بحيرات عندنا بمصر لأهل القرى أرادوا بيعها ممن يصير سمكها سنة، فقال: ما يعجبني أن تباع لأن سمكها يقل ويكثر، وما أحب أن يمنع من يصيد ممن لا يملك فيها شيئًا.
وقال سحنون: لهم منعها.
وقال أشهب: وإن طرحها فتوالدت فلهم منعها، وإن كان الغيب أجراها لم تمنع.